كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله: {وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ... (75)}.
و(المستضعفين) في موضع خفض.
وقوله: {الظَّالِمِ أَهْلُها} خفض (الظالم) لأنه نعت للأهل، فلما أعاد الأهل على القرية كان فعل ما أضيف إليها بمنزلة فعلها كما تقول: مررت بالرجل الواسعة داره، وكما تقول: مررت برجل حسنة عينه. وفى قراءة عبد اللّه: {أخرجنا من القرية التي كانت ظالمة}. ومثله مما نسب الظلم إلى القرية وإنما الظلم لأهلها في غير موضع من التنزيل. من ذلك {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها} ومنه قوله: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها} معناه: سل أهل القرية.
وقوله: {فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ... (78)}.
يشدّد ما كان من جمع مثل قولك: مررت بثياب مصبّغة وأكبش مذبّحة.
فجاز التشديد لأن الفعل متفرق في جمع. فإذا أفردت الواحد من ذلك فإن كان الفعل يتردّد في الواحد ويكثر جاز فيه التشديد والتخفيف مثل قولك: مررت برجل مشجّج، وبثوب ممزّق جاز التشديد لأن الفعل قد تردد فيه وكثر.
وتقول: مررت بكبش مذبوح، ولا تقل مذبح لأن الذبح لا يتردّد كتردّد التخرق، وقوله: {وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} يجوز فيه التشديد لأن التشييد بناء فهو يتطاول ويتردّد. يقاس على هذا ما ورد.
وقوله: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ... (78)}.
وذلك أن اليهود لمّا أتاهم النبي صلى اللّه عليه وسلم بالمدينة قالوا: ما رأينا رجلا أعظم شؤما من هذا نقصت ثمارنا وغلت أسعارنا. فقال اللّه تبارك وتعالى: إن أمطروا وأخصبوا قالوا: هذه من عند اللّه، وإن غلت أسعارهم قالوا: هذا من قبل محمد صلى الله عليه وسلم.
يقول اللّه تبارك وتعالى: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}.
وقوله: {فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ} {فمال} كثرت في الكلام، حتى توهّموا أن اللام متصلة بـ (ما) وأنها حرف في بعضه. ولاتصال القراءة لا يجوز الوقف على اللام لأنها لام خافضة.
وقوله: {طاعَةٌ (81)} الرفع على قولك: منّا طاعة، أو أمرك طاعة. وكذلك {قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ} معناه- واللّه أعلم-: قولوا: سمع وطاعة. وكذلك التي في سورة محمد صلى اللّه عليه وسلم {فَأَوْلى لَهُمْ طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ} ليست بمرتفعة بـ (لهم). هي مرتفعة على الوجه الذي ذكرت لك. وذلك أنهم أنزل عليهم الأمر بالقتال فقالوا:
سمع وطاعة، فإذا فارقوا محمّدا صلى اللّه عليه وسلم غيّروا قولهم. فقال اللّه تبارك وتعالى: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْرًا لَهُمْ} وقد يقول بعض النحويين: وذكر فيها القتال، وذكرت (طاعة) وليست فيها واو فيجوز هذا الوجه. ولو رددت الطاعة وجعلت كأنها تفسير للقتال جاز رفعها ونصبها أمّا النصب فعلى: ذكر فيها القتال بالطاعة أو على الطاعة. والرفع على: ذكر فيها القتال ذكر فيها طاعة.
وقوله: {بَيَّتَ طائِفَةٌ} القراءة أن تنصب التاء، لأنها على جهة فعل.
وفى قراءة عبد اللّه: «بيّت مبيّت منهم» غير الذي تقول. ومعناه: غيّروا ما قالوا وخالفوا. وقد جزمها حمزة وقرأها بيّت طائفة. جزمها لكثرة الحركات، فلما سكنت التاء اندغمت في الطاء.
وقوله: {وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ... (83)}.
هذا نزل في سرايا كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يبعثها، فإذا غلبوا أو غلبوا بادر المنافقون إلى الاستخبار عن حال السرايا، ثم أفشوه قبل أن يفشيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أو يحدّثه، فقال: {أَذاعُوا بِهِ} يقول أفشوه. ولو لم يفعلوا حتى يكون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الذي يخبر به لكان خيرا لهم، أو ردّوه إلى أمراء السرايا. فذلك قوله: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}.
وقوله: {لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا} قال المفسرون معناه: لعلمه الذين يستنبطونه إلا قليلا. ويقال: أذاعوا به إلا قليلا. وهو أجود الوجهين لأن علم السرايا إذا ظهر علمه المستنبط وغيره، والإذاعة قد تكون في بعضهم دون بعض. فلذلك استحسنت الاستثناء من الإذاعة.
وقوله: {يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها... (85)}.
الكفل: الحظّ. ومنه قوله: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} معناه: نصيبين.
وقوله: {وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} المقيت: المقدّر والمقتدر، كالذى يعطى كل رجل قوته. وجاء في الحديث: «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقيت»، ويقوت.
وقوله: {وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها... (86)}.
أي زيدوا عليها كقول القائل: السلام عليكم، فيقول: وعليكم ورحمة اللّه.
فهذه الزيادة {أَوْ رُدُّوها} قيل هذا للمسلمين. وأمّا أهل الكتاب فلا يزادون على: وعليكم.
وقوله: {فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ... (88)}.
إنما كانوا تكلّموا في قوم هاجروا إلى المدينة من مكة، ثم ضجروا منها واستوخموها فرجعوا سرّا إلى مكة. فقال بعض المسلمين: إن لقيناهم قتلناهم وسلبناهم، وقال بعض المسلمين: أتقتلون قوما على دينكم أن استوخموا المدينة فجعلهم اللّه منافقين، فقال اللّه فما لكم مختلفين في المنافقين. فذلك قوله (فئتين).
ثم قال تصديقا لنفاقهم {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا}.
فنصب (فئتين) بالفعل، تقول: مالك قائما، كما قال اللّه تبارك وتعالى: {فَما لِلَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ} فلا تبال أكان المنصوب معرفة أو نكرة يجوز في الكلام أن تقول: مالك الناظر في أمرنا، لأنه كالفعل الذي ينصب بكان وأظنّ وما أشبههما.
وكل موضع صلحت فيه فعل ويفعل من المنصوب جاز نصب المعرفة منه والنكرة كما تنصب كان وأظنّ لأنهن نواقص في المعنى وإن ظننت أنهن تامّات.
ومثل مال، ما بالك، وما شأنك. والعمل في هذه الأحرف بما ذكرت لك سهل كثير. ولا تقل: ما أمرك القائم، ولا ما خطبك القائم، قياسا عليهن لأنهن قد كثرن، فلا يقاس الذي لم يستعمل على ما قد استعمل ألا ترى أنهم قالوا:
أيش عندك؟ ولا يجوز القياس على هذه في شيء من الكلام.
وقوله: {وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا} يقول: ردّهم إلى الكفر. وهى في قراءة عبد اللّه وأبىّ واللّه ركسهم.
وقوله: {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ... (90)}.
يقول: إذا واثق القوم النبي صلى اللّه عليه وسلم ألّا يقاتلوه ولا يعينوا عليه، فكتبوا صلحا لم يحلّ قتالهم ولا من اتّصل بهم، فكان رأيه في قتال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كرأيهم فلا يحلّ قتاله. فذلك قوله (يصلون) معناه: يتصلون بهم.
وقوله: {أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ}، يقول: ضاقت صدورهم عن قتالكم أو قتال قومهم. فذلك معنى قوله: {حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} أي ضاقت صدورهم.
وقد قرأ الحسن {حصرة صدورهم}، والعرب تقول: أتانى ذهب عقله، يريدون قد ذهب عقله. وسمع الكسائىّ بعضهم يقول: فأصبحت نظرت إلى ذات التنانير. فإذا رأيت فعل بعد كان ففيها قد مضمرة، إلا أن يكون مع كان جحد فلا تضمر فيها (قد مع جحد) لأنها توكيد والجحد لا يؤكّد ألا ترى أنك تقول: ما ذهبت، ولا يجوز ما قد ذهبت.
وقوله: {سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ (91)} معناه: أن يأمنوا فيكم ويأمنوا في قومهم. فهؤلاء بمنزلة الذين ذكرناهم في أن قتالهم حلال إذا لم يرجعوا.
وقوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ (92)} مرفوع على قولك: فعليه تحرير رقبة. والمؤمنة: المصلّية المدركة. فإن لم يقل: رقبة مؤمنة، أجزأت الصغيرة التي لم تصلّ ولم تبلغ.
وقوله: {فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} كان الرجل يسلم في قومه وهم كفّار فيكتم إسلامه، فمن قتل وهو غير معلوم إسلامه من هؤلاء أعتق قاتله رقبة ولم تدفع ديته إلى الكفار فيقووا بها على أهل الإسلام. وذلك إذا لم يكن بين قومه وبين النبي صلى اللّه عليه وسلم عهد. فإن كان عهد جرى مجرى المسلم.
وقوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا (94)} {فتثبّتوا} قراءة عبد اللّه بن مسعود وأصحابه. وكذلك التي في الحجرات. ويقرأان: {فتثبّتوا} وهما متقاربتان في المعنى. تقول للرجل: لا تعجل بإقامة حتى تتبين وتتثبت.
وقوله: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} ذكروا أنه رجل سلّم على بعض سرايا المسلمين، فظنّوا أنه عائذ بالإسلام وليس بمسلم فقتل. وقرأه العامة: السلم. والسلم: الاستسلام والإعطاء بيده.
وقوله: {لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ (95)} يرفع (غير) لتكون كالنعت للقاعدين كما قال: {صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ} وكما قال: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ} وقد ذكر أن (غير) نزلت بعد أن ذكر فضل المجاهد على القاعد، فكان الوجه فيه الاستثناء والنصب.
إلا أنّ اقتران (غير) بالقاعدين يكاد يوجب الرفع لأن الاستثناء ينبغى أن يكون بعد التمام. فتقول في الكلام: لا يستوى المحسنون والمسيئون إلا فلانا وفلانا. وقد يكون نصبا على أنه حال كما قال: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} ولو قرئت خفضا لكان وجها: تجعل من صفة المؤمنين.
وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ (97)} إن شئت جعلت {تَوَفَّاهُمُ} في موضع نصب. ولم تضمر تاء مع التاء، فيكون مثل قوله: {إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا} وإن شئت جعلتها رفعا تريد: إن الذين تتوفاهم الملائكة. وكل موضع اجتمع فيه تاءان جاز فيه إضمار إحداهما مثل قوله: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.
ومثل قوله: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ}.
وقوله: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ (98)} في موضع نصب على الاستثناء من {مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ}.
وقوله: {يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَمًا كَثِيرًا (100)} ومراغمة مصدران. فالمراغم: المضطرب والمذهب في الأرض.
وقوله: {فَلْتَقُمْ... (102)}.
وكلّ لام أمر إذا استؤنفت ولم يكن قبلها واو ولا فاء ولا ثمّ كسرت. فإذا كان معها شيء من هذه الحروف سكّنت. وقد تكسر مع الواو على الأصل.
وإنما تخفيفها مع الواو كتخفيفهم (وهو) قال ذاك، (وهى) قالت ذاك. وبنو سليم يفتحون اللام إذا استؤنفت فيقولون: ليقم زيد، ويجعلون اللام منصوبة في كل جهة كما نصبت تميم لام كى إذا قالوا: جئت لآخذ حقّى.
وقوله: {طائِفَةٌ أُخْرى} ولم يقل: آخرون ثم قال: {لَمْ يُصَلُّوا} ولم يقل: فلتصل. ولو قيل: فلتصل كما قيل أخرى لجاز ذلك. وقال في موضع آخر:
{وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} ولو قيل: اقتتلتا في الكلام كان صوابا.
وكذلك قوله: {هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} ولم يقل: اختصما. وقال: {فَرِيقًا هَدى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} وفى قراءة أبىّ: {عليه الضلالة}. فإذا ذكرت اسما مذكّرا لجمع جاز جمع فعله وتوحيده كقول اللّه تعالى: {وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ}. وقوله: {أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ} وكذلك إذا كان الاسم مؤنّثا وهو لجمع جعلت فعله كفعل الواحدة الأنثى مثل الطائفة والعصبة والرفقة. وإن شئت جمعته فذكّرته على المعنى. كلّ ذلك قد أتى في القرآن.
وقوله: {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ... (104)}.